أختي المؤمنه : هذا الحديث المبارك . . شوكة في حلق المجرمين والمضلين . . لذا قوبل باعتراضات (ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب) لقد أعلن النبي صلي اله عليه وسلم فيه الحرب على الفساد وأمر فيه بالهجوم على مواقع الرذيلة وحرصها وتقليم أظافر المجرمين وردعها قال الإمام ابن رجب ـ رحمه الله ـ في شرحه لهذا الحديث ـ ما مختصره : (وفيه تفسير أن هذه الثلاث خصال هي حق الإسلام التي يستباح بها دم من شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله ، والقتل بكل واحدة من هذه الخصال الثلاث متفق عليه بين المسلمين)الحالة الاولى: زنى الثيب
فأما زنى "الثيب" فأجمع المسلمون على أن حده الرجم حتى يموت وقد رجم النبي صلي الله
عليه وسلم (ماعز) و (الغامدية)
وقد استنبط ابن عباس الحكم من القرآن من قوله تعالى : (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين
لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير)
قال : فمن كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب) ثم تلا هذه الآية وقال :كان الرجم مما أخفوا
واخرج مسلم في صحيحه من حديث البراء بن عازب قصة رجم اليهوديين وقال في حديثه : فأنزل الله (يا أيها
الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر )
وأنزل ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) في الكفار كلها
وكان الله تعالى قد أمر أولا بحبس النساء الزواني إلى أن يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ، ثم جعل الله لهن سبيلا ففي صحيح مسلم عن عبادة عن النبي صلي الله عليه قال : (خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)
معاني الحديث الشريف
(قد جعل الله لهن سبيلا) : أي حدا واضحا وطريقا ناضحا في حق المحصن وغيره وهو بيان لقوله تعالى (واللاتي يأتين الفاحشة) إلى قوله (أو يجعل الله لهن سبيلا)
(نفي سنة) : يجب نفيه لمدة سنة رجلا كان أو امرأة وقال الحسن : لا يجب النفي وقال مالك والأوزاعي : لا نفي على النساء ، وروي مثله عن علي - رضي الله عنه - وقالوا : لأنها عورة ، وفي نفيها تضييع لها وتعريض لها للفتنة ، ولهذا نهيت عن المسافرة إلا مع محرم . وحجة الشافعي قوله صلى الله عليه وسلم :
البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة
(الثيب) : هو المحصن رجلا كان أو امرأة
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( البكر بالبكر والثيب بالثيب ) فليس هو على سبيل الاشتراط ، بل حد البكر الجلد والتغريب ، سواء زنى ببكر أم بثيب وحد الثيب الرجم سواء زنى بثيب أم ببكر فهو شبيه بالتقييد
الذي يخرج على الغالب
واعلم أن المراد بالبكر من الرجال والنساء من لم يجامع في نكاح صحيح
وقد أخذ بظاهر هذا الحديث جماعة من العلماء وأوجبوا جلد الثيب مائة ثم رجمه ، كما فعل على رضي الله عنه بشراحة الهمدانية وقال: (جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم) ويشير إلى أن كتاب الله فيه جلد الزانيين من غير تفصيل بين ثيب وبكر وجاءت السنه برجم الثيب خاصة مع استنباطه من القرآن أيضا وهذا القول هو المشهور عن الإمام أحمد وإسحاق وهو قول الحسن وطائفة من السلف وقالت طائفة منهم : إن كان الثيبان شيخين جلدا ورجما ، وإن كانا شابين رجما بغير جلد ، لأن ذنب الشيخ أقبح ، لا سيما بالزنا ، وهذا قول أبى بن كعب ، وهو رواية عن أحمد وإسحاق أيضا
الحالة الثانية: النفس بالنفس
وأما النفس بالنفس : فمعناه أن المكلف إذا قتل نفسا بغير حق عمدا فإنه يقتل بها
وقد دل القرآن على ذلك بقوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر
والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى)
وقال تعالى : (وكتبنا عليهم فيها إن النفس بالنفس)
و هنا يجدر الاشارة الى مسألة أن يقتل الوالد ولده فقد قال الامام مالك : إن تعمد قتله
تعمدا لا يشك فيه مثل أن يذبحه فإنه يقتل به
وقال الليث : يقتل بقتله بجميع وجوه العمد للعمومات
و في هذا الشأن يقول الدكتور أحمد كريمة، الأستاذ بجامعة الأزهر، إن الأخذ بهذا الاستدلال
خطأ قد يؤدي إلى زيادة الجرائم، مضيفاً أن قتل الآباء والأمهات لأبنائهم، ذكر وإناث،
جريمة فظيعة لا يجب أن تمر مرور الكرام، فالإسلام حرم قتل البنات في الجاهلية، فكيف نقبل بالقتل
وأضاف (كريمة) أن الإمام مالك أفتى بضرورة القصاص من الأب أو الأم إذا قتل ابنه أو بنته بشكل عمدي، فالقصاص حياة كما يقول الله تعالى:(ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)
وتابع: (أما الاستدلال بعدم القصاص من الأصل إذا قتل الفرع أو لا يقتل والد بولده، فذلك استدلال خاطئ وهذا قتل غير صحيح لأنه يخالف القرآن والعقل وإذا خالف القرآن والعقل
الحالة ثالثة: التارك لدينه المفارق للجماعة
وأما التارك لدينه المفارق للجماعة : فالمراد به من ترك الإسلام وأرتد عنه وفارق جماعة المسلمين و النقطة الفاصلة في موضوع “الردَّة” برمَّته تكمن في الحديث عن: (الخروج من الإسلام) و (الخروج على الإسلام)
دلت النصوص التي سنورد بعضًا منها على هذا التفريق، فالقتل يكون لمن خرج على الإسلام وقصد الإساءة أو العبث بالدين، أو مسَّ أمن وسلامة الأمة ونظام الدولة، كما أنه يُعدُّ جرمًا ضد نظام الحكم في الدولة وخروجًا على أحكام الدين الذي تعتنقه الأمة، ويُعتَبر حينذاك مرادفًا لجريمة “الخيانة العظمى” التي تحرمها كل الشرائع والدساتير والقوانين، وهذا العقاب لم يكن مقتصرًا على الدول التي يقوم الحكم فيها على أساس الدين
دلت النصوص كذلك على أنه لا بد أن يختلف تقدير (الخروج من الإسلام) عن (الخروج على الإسلام) فـ(الخروج من الإسلام) بصورةٍ فرديةٍ ليس فيها الاستهزاء بالدين، ولا تمثل تهديدًا للأمة أو لكيان الدين ولا يقصد بها العبث بشعور أو شعائر المسلمين، وإنما منبعها الوحيد شعور “المرتد” بعدم الاقتناع بالإسلام والاقتناع بغيره، فيخرج من الإسلام في هدوء وفردية، فاعل ذلك لا يكون مصيره القتل، بل له حرية ذلك طالما بقي خروجه ليس
فيه تهديدٌ لأمن الأمة من النصوص والأدلة على اعتبار هذا التفريق بين (الخروج من) و (الخروج على) وأن أسباب قتل المرتد إنما هي لخروجه على الإسلام لا منه، ما يلي: (ما رواه الإمامان البخاري ومسلم عن جابر قال: إن أعرابيًّا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصاب الأعرابي وَعْكٌ بالمدينة، فأتى النبيَّ فقال: يا محمد، أَقِلْني بيعتي، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءه فقال: أَقِلْني بيعتي، فأبى، ثم جاءه فقال: أَقِلْني بيعتي، فأبى، فخرج الأعرابي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما المدينة كالكير، تنفي خبثها، وينصع طيبها)، وفي رواية البخاري: فبايعه على الإسلام فلو لم يكن هناك تفريقٌ بين (الخروج على) و (الخروج من) لما كان مصير هذا الأعرابي إلا القتل
يوحي نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل المرتد الذي رواه الإمامان البخاري ومسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) يوحي هذا الحديث بما نقول: (والتارك لدينه المفارق للجماعة)، فنص “المفارق للجماعة” يوحي بالانسلاخ من الكيان وإرادة الضرر به، فكان ترك الدين وحده ليس سببًا لحِلِّ الدم، بل يجب مفارقة الجماعة أيضًا، وقد نقل الإمام ابن حجر في “فتح الباري” عن الإمام القرطبيِّ قوله: “ظاهر قوله: (المفارق للجماعة) أنه نعتٌ للتارك لدينه”، أي تارك دينه الموصوف بأنه فارق الجماعة، وليس مجرد تارك دينه فقط