عنوسة، كلمة من سبعة أحرف تختزن في طياتها الكثير من الهموم والقلق وسوء الحظ،
وهي العنوان الأبرز لمن "فاتها القطار" كما يقال في مجتمعاتنا العربية لكل فتاة
تجاوز عمرها سن معينة
دون أن تكون في منزل زوجها بدلاً من العيش بين أهلها.
فالعنوسة "تعبير عام يستخدم لوصف الأشخاص الذين تعدوا سن الزواج
المتعارف عليه في كل بلد"
ي البداية لا بد من الوقوف مع فهمٍ أعمق لظاهرة العنوسة وتحليل معنى العنوسة،
فالعنوسة في اللغة تتطابق مع المعنى الاصطلاحي وتعني طول العزوبية دون زواج،
وهي في العربية تستخدم للرجل والمرأة على حدٍّ سواء فيقال عَنَسَ الرَّجُلُ أي كبر ولم يتزوج.
ما هو سن العنوسه
يختلف سن العنوسة من جيل إلى آخر ومن مجتمع إلى مجتمع آخر وليس هناك مقياس
ثابت في تحديد سن العنوسة، فمثلاً في منتصف القرن الماضي كان سن العشرين هو بداية التحذير
من عنوسة الفتاة، وفي وقتنا الحالي أصبحت عزوبية الفتاة حتى سن الخامسة والعشرين
والثلاثين أمراً مقبولاً نسبياً في مجتمعاتنا، وبالنسبة للشاب حتى سنّ الخامسة
والثلاثين وربما الأربعين.
كما أن طبيعة المجتمعات تحدد سن العنوسة فيها، فمثلاً الفتاة الريفية أو البدوية في العادة
لا تُكمل دراستها الجامعية لذا من الطبيعي أن تتزوج وهي صغيرة،
فإذا تجاوزت الخامسة والعشرين يُنظر لها بأنها عانس، أما في المجتمع المدني فإن الفتاة
قد تُكمل دراستها الجامعية وتبدأ مسيرتها المهنية، لذا سن العنوسة هنا يحدد عند عمر الثلاثين
أو حتى الخامسة والثلاثين.
بالمحصلة لا يمكن تحديد مقياس ثابت ودقيق لسن العنوسة، خاصّة وأن العنوسة
وصف اجتماعي يعتمد على معايير ثقافية خاصة بمجتمع دون غيره.
أسباب العنوسة
الأسباب متنوعة ومختلفة لكن دعونا
نأخذ مقتبسا عن بعض الحالات:
في الحالة الأولى هناك من تحدث عن مشكلة انتظار القطار وكيف أُجبر على الانتظار لكن الحظ لم يحالفه، فمرّ القطار وما زال على حافة الانتظار، وكان أغلب أفراد هذه الفئة من الفتيات. بطبيعة المجتمع العربي، البنت تنتظر العريس ولكن هذا لا يعني بأنه لا يوجد أيضا شبان انتظروا ولم يحالفهم الحظ.
ومن هذه الحالة تتبلور تساؤلات مختلفة مثل: لماذا لم يحالفك الحظ؟
وما هو الذي كنت أو ما زلت تنتظره؟
طبعا كانت الأجوبة مختلفة، ولكن ما أعجبني هو الجواب التالي:
إنني أنتظر فتى أو فتاة أحلامي. من هو/هي...؟
لماذا أصلا تحلم أو تنتظر؟
لماذا لا تكون واقعيا وتبحث بدلاً من أن تنتظر، فالفرصة ما زالت بين يديك.
جاء السؤال مثل الصاعقة عليهم وتبعه الجواب، أين أبحث؟
البحث ممكن أن يكون في أي زمان ومكان. هناك عالم جديد وهو عالم الانترنت والشبكة العنكبوتية ومواقع الزواج بكل اللغات ومن أكبرها المواقع العربية لأن هناك نسبة عالية من العنوسة في بلادنا. القطار لم يقطعك بعد لأنك سوف تلتقي بأناس كثيرين مثل حالتك في الوقت الحالي ومن عمرك وزمنك، فأنت لست وحيداً. لم يفتك قطار الزواج بعد، ولكن المتطلبات اختلفت لأن العمر والخبرة في الحياة أيضا اختلفت عن ذلك الزمن الذي كنت تنتظر فيه. فما عليك سوى أن توسع نطاق محيطك في البحث وتبتعد عن تلك الحافة، التي قد ترميك في الهاوية مع أول هبة ريح باردة خالية من المشاعر.
أما الحالة الثانية فكانت عن البطالة والمغالاة في المهور التي يعاني منها شريحة من الرجال وهي سبب أساسي في العنوسة عند النساء. الرجل لا يستطيع دفع مبالغ هائلة والفتاة تعاني من العنوسة كونها يجب أن تتزوج في عمر معين وبمهر معين، وهنا تنصدم بين ما تريد وما تُرغم عليه. هي تريد زوجا وبيتا، إنما العادات والتقاليد تفرض علها الالتزام بالشروط اللامنطقية (انتظري من سيدفع أكثر). وبناء على هذا الصراع النفسي يمر الزمن وتبدأ معاناة جديدة مع مرحلة العنوسة والخوف من عدم الإنجاب والقلق الملتصق بالأحلام التي ستتحول
إلى كابوس وفوبيا العنوسة.
الهدف من الزواج هو الاستقرار قبل أي شيء، كوني ملكة قرارك ولا تتمسكي بأشياء قد تكون سببا في عنوستك أو في تأخير زواجك إلى سن يبدأ فيه عمر اليأس وربما الصعوبة في الإنجاب. لا أريد أن أخيفكنّ، ولكن لن أخفي عليكنّ بأن الزواج مشروع مهم جداً لكلا الجنسين وحالة يجب أن يعيشها كل إنسان على الأرض. العمر يمر والحياة قد تختفي بلمح البصر، فلماذا التأخير ووضع المعجزات لأنفسكم كعقبة لمرحلة مهمة وأساسية في الحياة وعلى كل امرِئٍ الخوض فيها.
في الحالة الثالثة كانت قصة ليست بغريبة وإنما القليلون يقومون بها. هي ليس بحالة انتظار أو بحالة اقتصادية بشكل مباشر وإنما هي حالة الجري وراء الحرية والسباق مع الزمن. هذه الفئة اختارت أن تأجل مرحلة الارتباط أو الزواج إلى أجل غير معروف. إما بسبب العمل أو الدراسة أو الخوف من أن يكون الزواج حاجزا لأحلامهم وطموحاتهم، من حيث أن الزواج يتطلب الوقت والمسؤولية. أغلب الناس من هذه الفئة هم متعلمون بمستوى عالي أو من أصحاب طموحات خيالية ودائما يتجهون إلى التطوير. ولكن في نهاية المطاف وبعد تحقيق الكثير من الأحلام يرجعون للواقع ويعترفون بأنهم ندموا لأنهم لم يتزوجوا في العمر المناسب لأحلامهم وطموحاتهم. منهم من يخجل اللقاء بأصدقائه لأن ليس هناك ما يشاركهم به عن الحياة العائلية وتربية الأولاد، فيذهبون للبحث عن شريك العمر مع تقديم الكثير من التنازلات التي كان من الممكن التمسك بها لو تزوجوا في عمر مناسب للزواج. اكتشفوا أنه رغم أهمية العلم والعمل في الحياة إلاّ أن هناك شيئا ينقصهم وهو البيت والسكينة والاستقرار.
هناك أيضاً أسباب أخرى خطيرة على المجتمع من كل النواحي مثل الزواج من أجنبيات أو هجرة الشباب من بلادهم، رغم أن البعض يعود لبلده ليتزوج من بنت البلد إلاّ وأن هناك ظاهرة تشير بأن طبيعة التفكير الجديد عند المغترب واكتسابه لعادات جديدة تخلق نوعا من الشطور بينه وبين بنت البلد. مما يجعل الشاب المغترب يفضل الزواج من فتاة من نفس مكان إقامته، لأنها أسهل للتعايش معه ومع طبيعة البلد، كونها تعرف ما هي متطلبات البلد من لغة وعادات وتقاليد. رغم تكدس هذه الأسباب إلا وأن هناك أملاً في أن تجد رفيق الدّرب لو وسّعت نطاق البحث، وأول عامل مساعد لك هو الانترنت ومواقع الزواج لأنك ستجد عالم مليئا بكل المواصفات والأعمار والمتطلبات التي حتما ستساعدك إلى الوصول إلى مبتغاك.
أثار العنوسه على المرأة والمجتمع
بد من الإشارة أولاً أن انعكاس تأخر الزواج أو العنوسة على الأفراد سيختلف بطبيعة الحال من شخص لآخر، فبعض الفتيات قد يجدن في العنوسة كابوساً حقيقياً يؤرّق حياتهن، فيما تستطيع أخريات التعامل مع العنوسة كخيار شخصي أو كظرفٍ لا بد من التأقلم معه.
فالفتيات اللواتي كنّ يحلمن بالزواج ويعشن في مجتمعات تقدّس الحياة الزوجية وتعتبرها منتهى أهداف الأفراد فيها؛ قد تسبب العنوسة الحزن والاكتئاب والشعور بالغربة والإحساس بالدونية والفراغ النفسي، وتدفع السيدة العانس إلى الابتعاد عن الناس والمناسبات الاجتماعية خشية السخرية والتلميح الجارح إلى أن تنعزل كلياً عن الحياة الاجتماعية، كما تعاني من الحرمان
العاطفي أو الجنسي أو كليهما.
وتُحدث العنوسة آثاراً سيئةً على أسرة العانس، حيث يشعر أفرادها بالهم والغم، ومنهم من يشعر بالخزي والخوف من نظرات الناس وتفسيرها بغير معناها، مما يؤثر بصورة سلبية على العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع.
وتُسهم العنوسة بانتشار ظواهر اجتماعية قد تكون خطيرة، كانتشار الزواج العرفي، وزواج المسيار والعلاقات خارج الزواج، وحتى لجوء البعض إلى السحر والشعوذة لحل عقدة الزواج وجذب العريس، فضلاً عن الشعور الخانق بالحسد وانعكاسه على العلاقات الاجتماعية وحتى على الأداء المهني ما قد يقود بعض من فاتهم القطار من الرجال والنساء إلى أفعال انتقامية ممن ركبوا القطار!.
من التجارب التي وصلت إلى مجتمع حلوها فتاة تقول أن الناس أقنعوا أمها بقولهم "بنتك مسحورة لذلك لم تتزوج بعد" وهي التي أكملت للتو الخامسة والعشرين، ما جعل أمها تجرب عليها أنواع الدجل والشعوذة لفك السحر،
حلول للقضاء على العنوسه
للقضاء على ظاهرة العنوسة يجب أن تتضافر جهود المجتمع بأطيافه كلها إلى جانب الحكومات والجهات المختصة وتالياً بعض الأفكار والحلول لمشكلة العنوسة:
تيسير الزواج وتسهيل شروطه: قال النبيﷺ "أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة" فعلى الأسر الابتعاد عن المغالاة في المهور وتيسيرها أمام المتقدمين للزواج، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعصف بمجتمعاتنا العربية.
دور الحكومات في مواجهة العنوسة: على الحكومات القيام بحملات لتشجيع الشباب على الزواج، عن طريق وضع قروض سهلة وتوفير فرص العمل لهم للمساعدة في المضي قدماً في مشروع الزواج. وإنشاء صندوق لدعم الشباب المقبل على الزواج، لتخفيف أعبائه وكلفته المادية العالية، وكذلك توفير شقق للسكن بأسعار مخفضة للشباب.
التكافل الاجتماعي للقضاء على العنوسة: مثل صناديق من العائلات الكبيرة لتسهيل خطوة الزواج أمام أفراد العائلة، ومساعد غير القادرين على الزواج.
إعادة النظر بالعادات والتقاليد والتخلي عن العادات المجتمعية الخاطئة التي نقف عائقاً أمام الزواج كالتعصب القبلي ومنع الآباء زواج بناته الموظفات.
دور المنابر الدينية في التخفيف من ظاهرة العنوسة بتشجيع الأهالي على خفض المهور والتحدث عن مخاطر العنوسة، والاستعانة بالنصوص الدينية للتحفيز على الزواج وذكر محاسنه، وشرح التأثير السلبي لظاهرة العنوسة على أفراد المجتمع.
الإعلام ودوره في مكافحة العنوسة: على وسائل الإعلام والصحف تسليط الضوء على مشكلة العنوسة ونشر الحلول العملية، واستضافة الخبراء والمختصين في برامجها للحديث عن هذه الظاهرة والإسهاب بمشاكلها وحلولها، ونشر الوعي لتخطي أفكار المجتمع الخاطئة.
المؤسسات الاجتماعية: عقد الندوات والجلسات الخاصة بهذه الظاهرة من واجب المؤسسات الاجتماعية، وكذلك الجامعات للحديث عن هذه الظاهرة.
تعديل بعض معايير الزواج لدى الأفراد، حيث لا الجمال المعيار الوحيد للشاب عند البحث عن فتاة للزواج، وكذلك أن لا تكون وسامة الشاب وثروته أهدافاً للفتاة
وربما على الفتاة أو الشاب قبول الزواج من متزوج/ة أو مُطلق/ة، فهذه الأمور لا تعيب أحد بغض النظر عن النظر عن رأي الناس الخاطئ والوسوم الاجتماعية البالية.