حين كنا أطفالاً وقرأنا للمرة الأولى سورة الكهف ،عصر قلوبنا قول الرجل الصالح لموسى -عليه السلام-"هذا فراق بيني وبينك"،وقلنا لو أنه صبر .
كنا نرغب في المزيد لكن لما كبرنا عرفنا أن هناك دائمًاحدًّا تقف عنده الأشياء ،وكان علينا أن نرضى بأن يكون الفراق إحدى ركائز الحياة التي لا تستقيم الأمور بدونها ،والتي - للمفارقة - تنهار الأمور أيضاً بها.
تعلمنا أن الفراق ضروري من أجل أن تكتمل دورة الحياة ،
أناس تولد ،وأناس تموت ،البعض يسافر ،والبعض يعود ،حب يولد ،وآخر يموت ،تعلمنا أن نصبر على لوعة الوليد حين يفطم ،وقلنا :سينسى ،تعلمنا أن نفارق من نحب حين يغيبهم الثرى ،أو بعد المسافات ،فمتى إذن نتعلم أن نصبر على ألم الفراق حين نختاره بإرادتنا ،وحين يكون حلًّا قهرياً.
في الحديث القدسي يقول الله -عز وجل -: "ياابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ". هناك مواقف أيقظتني ،وصنعتني من جديد ،وهناك علاقات توقعت منها الكثير ووجدت منها القليل ،وهناك دروس لم تكن بالحسبان ،لكنها علمتني الانتباه.
النخلة يتأخر حصادها لشهر الصيف حتى يتكون الرّطب ، و يتأخر أكثر ليتحول إلى تمر به من لذّة السكر حلاوة جمى ،يتأخر المنزل الجميل في بنيانه ، ثم يكتمل ؛ليُصبح بيت الأحلام بعد طول عناء،
يطول الطريق ،ثم ما نلبث أن نصل للنهاية ،حتى ننسى ألم البداية .
هكذا هي الأشياء الأكثر جمالاً ، لا تأتِ بطرقة باب واحدة ،و إنما بكثرة الطرق.
الخلاصة :الله يمنع عنّا الجميل ؛ليُعطينا الأجمل ،عطاياه كثيرة ،ولكنه يُعجل لنا أمورًا،ويؤجل أُخرى لحكمة ؛لو عرفناها لبكينا ليلاً نهاراً على تأجيلها .ا.د ياسر نصر
_______________
ايمان البنداري