الفرق بين الإرجاء والتأجيل والإنظار
زياد السلوادي
يشتبه معنى الإرجاء ومعنى التأجيل ومعنى الإنظار على عامة الناس فيظنون أن هذه الكلمات تحمل معنى واحداً، والحق أن ليس في العربية كلمتان تحملان معنى واحداً على الإطلاق، فلكل كلمة معناها الدقيق الخاص بها دون غيرها، ويبدو لنا هذا الأمر جلياً في القرآن الكريم، فقد استخدمت مشتقات هذه الكلمات في عديد من الآيات القرآنية فكان اختلاف المعنى بينها واضحاً كما يلي.
ذكرت مشتقات التأجيل 55 مرة في القرآن الكريم في 11 صيغة هي (أجلتَ، أجلتْ، أجل، أجلاً، أجلنا، أجله، أجلها، أجلهم، أجلهن، الأجلين، مؤجلاً)، وفي جميع هذا المرات كان لها معنى واحد وهو (تحديد موعد في المستقبل لحدوث أمر معين)، فقوله تعالى:
(ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا) الأنعام: 128.
يعني بلغنا نهاية المدة التي حددتها ووصلنا الى الميعاد الذي ضربت لنا.
(إذا تداينتم بدين الى أجل مسمى فاكتبوه) البقرة: 282.
أي إذا اقترض بعضكم من بعض مالاً الى نهاية مدة زمنية محددة فوثقوا ذلك كتابة.
(قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي) القصص: 28.
وهذه الآية قيلت على لسان موسى لما عرض عليه شيخ مدين أن يزوجه إحدى ابنتيه على أن يعمل عنده في رعي الأغنام ثماني سنوات أو يتمهن عشر سنوات، وفي هذا الاتفاق نجد المدة محددة بثماني سنوات قادمة، وإن رغب موسى في إتمام المدة الى عشر سنوات فذلك برغبته دون إلزام، وقد سمى القرآن نهاية المدتين المحددتين أجلين.
وهكذا نجد المعنى في عشرات الآيات الباقية التي استخدمت لفظة الأجل.
وإذاً فالتأجيل يعني تحديد موعد مستقبلي لحدوث أمر ما.
أما الإرجاء فقد ذكرت مشتقاته في القرآن الكريم 27 مرة في 10 صيغ هي (ترجوا، ترجون، ترجوها، يرجوا، يرجون، وارجوا، ترجي، أرجه، مرجواً، مرجون)، وفي جميع هذه المرات كان لها معنى واحد وهو (انتظار حدث مستقبلي غير محدد المدة)، وقوله تعالى:
(قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حشرين، يأتوك بكل سحار عليم) الشعراء: 36-37.
يعني اجعل موسى وهارون ينتظران – دون تحديد زمن – وأرسل الى السحرة في جميع المدن.
(والقوعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً) النور: 60.
أي النساء الملازمات البيوت ولا ينتظرن أن يتزوجن، وانتظارهن لا ينتهي بمدة بل هو انتظار دائم.
(إنهم كانوا لا يرجون حسابا) النبأ: 27.
أي كانوا في حياتهم الدنيا لا ينتظرون أن يأتي يوم يحاسبون فيه على أعمالهم لأنهم لم يكونوا يؤمنون بالبعث والحساب.
(أولئك يرجون رحمة الله) البقرة: 218.
أي ينتظرون رحمة الله دون أن يعلموا متى ستأتي.
وهكذا نجد المعنى في باقي الآيات التي استخدمت فيها مشتقات الإرجاء.
وإذاً فالإرجاء والرجاء هو انتظار حدث مستقبلي غير محدد المدة.
ويختلف معنى الإرجاء عن معنى الإنظار في أن الإنظار تحدد له مدة إن كان مثبتاً ومقبولاً، ولا تذكر له مدة إن كان منفياً ومرفوضاً، واقرأ إن شئت في الإنظار المثبت:
(قال رب فأنظرني الى يوم يبعثون، قال فإنك من المنظرين، الى يوم الوقت المعلوم) الحجر:36-38.
حيث يطلب إبليس من ربه أن ينظره الى يوم يبعثون، فيرد عز وجل بتحديد وقت آخر وهو يوم الوقت المعلوم.
(وإن كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة) البقرة: 280.
أي إذا كان المدين معسراً فليمهله الدائن الى وقت يصبح فيه موسراً، وفي ذلك تحديد لمدة سواء طالت أم قصرت.
أما الإنظار المنفي وغير المقبول فلا تحديد مدة فيه لأنه غير متحقق:
(لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) آل عمران: 88.
والله تعالى أعلى وأعلم.
الخميس سبتمبر 14, 2023 4:04 pm
