قصة : د. طارق البكري
عاش الأخطبوط الصغير سعيداً مع مجموعة من إخوانه الأخاطيب في بيت جميل
واسع في أعماق البحار..
كان لون الأخطبوط الصغير بلون المرجان الأحمر.. ولم يكن إخوته ولا كثير من رفاقه
بمثل لونه وجماله.. ومهارته في السباحة.
أطرافه الثمانية متناسقة في أشكالها، رشيقة في حركاتها..
رأسه معتدل الحجم، يتراخى مع الماء، ويتدلى.. ويرتج كلما أسرع في السباحة..
الأخطبوط الصغير كان يحرص على البقاء قريباً من بيته ولا يبتعد كثيراً عن إخوانه
الأكبر منه عمراً وحجماً..
تدرب الأخطبوط الصغير على الدفاع عن نفسه..
كان أخوه الأكبر حريصاً على أن يدرب جميع إخوانه الصغار.. فهم يبقون بمفردهم معظم الوقت،
حيث يخرج أبوهم وأمهم بحثاً عن الطعام الشهي اللذيذ..
الأخ الأكبر تعلم الكثير من أبيه في وقت سابق.. وهو الآن يعلم إخوته الصغار
خوفاً عليهم من الأخطار..
تعلم الأخطبوط الصغير أن يستخدم قواه وسرعته في الدفاع عن نفسه..
لكنه لا يستطيع دائماً الدفاع عن نفسه ضد من هو أقوى منه وأكبر حجماً
ولا سيما كائنات البحر المفترسة..
علمه أخوه كما علم إخوته فنون القتال.. وكيف يستخدمون أطرافهم الثمانية للدفاع عن أنفسهم..
وكان يوصيهم بعدم التفرق والبقاء في جماعة الأخاطيب..
لكن إذا جاء وحش كبير وكان أحدهم بمفرده، عليه أن ينطلق هارباً بسرعة من
أمام الوحش المفترس..
غير أن سرعة الأخطبوط بطيئة مقارنة مع سرعة القرش مثلاً..
فماذا عليهم أن يفعلوا وهم لا يملكون أسناناً مثل أسنان القرش..
ولا جسماً جباراً مثل جسمه المخيف؟!
أخبرهم أخوهم الأكبر أنهم يملكون سلاحاً خطيراً لا يملكه أحد غيرهم..
ويمكنهم أن يحموا به أنفسهم.. وأن يجعلوا وحوش البحر تبعد عنهم..
فرح الإخوة الصغار بذلك.. وسعدوا بما وهبهم الله من وسيلة تحفظ لهم حياتهم عند الخطر..
أخبرهم الأخ الأكبر أنهم يملكون وسيلة دفاع تطلق نوعاً من الحبر الداكن اللون يمكن أن
يتغير لونه بحسب المكان الذي يكونون فيه..
وعندما يحدث عليهم هجوم ما ويفرون من أمام المهاجم؛ فإن عليهم أن يطلقوا
هذا الحبر الداكن على الفور.. فلا يستطيع المهاجم أن يلحق بهم بسهولة،وعندها
يسهل الفرار رغم بطء حركتهم مقارنة بحركات المهاجم السريعة..
وبدأ الأخ الأكبر يعلمهم كيف يطلقون هذا الحبر.. وأوصاهم بأن يستخدموه فقط عند الضرورة..
وأن لا يسرفوا في استخدامه..
وكان يطلب منهم أن يتدربوا على استخدام هذا الحبر بإطلاق بضع قطرات ثم
عليهم أن يفروا من المكان فيما تنتشر القطرات من خلفهم..
كما أن هذه القطرات تغير لونهم فلا يعثر
عليهم الخصم بسهولة..
كانت الأخاطيب الصغار تتدرب كل يوم على ذلك..
الأخطبوط الأصغر سناً أعجبه هذا التدريب..
وصار يطلق الحبر في كل مكان..
يرسم به رسوماً متعددة..
يلون به بعض الصخور في قاع البحر..
يرسم على الرمال، و وما أن يبدأ بالرسم حتى يمتزج لون الحبر مع الماء..
وكان إخوته ينهونه على ذلك لكنه كان يبتعد عنهم ليلعب لعبته المفضلة..
وراح يستهلك كل الحبر الذي يملكه بوفرة ولم يستمع إلى نصيحة أخيه الكبير..
وفي يوم..
وفيما كان الأخطبوط الصغير يلهو لوحده خلف بيته..
فاجأه ثعبان بحري رشيق الحركة.. وكاد يفتك به لولا أن لطمه بأطرافه وأسرع
بالسباحة يضرب الماء بعنف..
وقرر أن يطلق الحبر الداكن لكي يربك الثعبان من خلفه..
لكن محاولته باءت بالفشل ولم يستطع إطلاق سوى بضع قطرات بعد أن نفد
الحبر منه في لعبه ولهوه..
أصيب الأخطبوط برعب شديد.. وشعر أنه هالك لا محالة..
وصار يضرب الماء بقوة أكبر ودون وعي مترقباً أن يقبض عليه الثعبان ويعتصره
بين لحظة وأخرى..وبدأ يتخيل نفسه في فم هذا الثعبان الشرس..
وفي تلك اللحظة سمع إخوة الأخطبوط الصغير صوت ضربات أطرافه..
وأدركوا أنها ضربات استغاثة..
هبوا جميعاً نحو الصوت، وهالهم منظر الثعبان..
فأطلقوا جميعاً الحبر الداكن حتى اختلط بلون البحر، واضطر الثعبان
للانسحاب بعد أن شعر بأن الخطر اقترب منه..
رجعت الأخاطيب إلى بيتها واجتمعت بعد عودة الأب والأم..
هنأ الجميع الأخطبوط الصغير على نجاته من أنياب ذلك الثعبان..
وقال له أبوه:
"هذه المرة أنقذك حظك السعيد.. فهل ستقع في نفس المشكلة مرة أخرى؟"..
لكن الأخطبوط المحظوظ كان ذكياً، ومنذ ذلك اليوم أصبح حريصاً على حبره الداكن
ولا يستخدمه إلا عند وقوع الخطر...