المثنيات في اللغة العربية
المُثنّيات المتلازمة في اللغة العربية أو الثنائيات في اللغة العربية أو المثان العربيّةوتُعرف أيضاً
بالمثنّيات التي لا تُفرد ولا تُجمع وذُكرت في بعض الكتب باسم ما جاء مثنى في مستعمل
إلى مُثنّيات تلقينيّية، ومثنّيات تغليبيّة، المثنّى التلقيني هو
ما إذا أُفرد لم يفد المعنى الموضوع له في التثنية، فلا يصح إطلاقه على أحد المسميين،
والمُثنّى التغليبي فإذا ما أُفرد صحّ إطلاقه على المتغلب من الاثنين، ومنه: الأبوان، القمران، العُمران،
المغربان، المشرقان… إلخ. تُعد المُثنّيات في اللغة العربية من المزايا التي تفردت بها اللغة العربية
عن غيرها من بقيّة اللغات كما يُلاحظ أيضاً أن العرب كانت تُثنّي الأغلب والأقوى، فقالوا
إنَّ الكِتابَ الذي أنْزَلَهُ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ صلى الله عليه و سلّم، هُوَ مَثَـاني:
(اللّـهُ نَزَّلَ أَحْـسَـنَ الـحَـديثِ كِـتَابَاً مُـتَشَـابِهَـاً مَـثَاني تَقْشَـعِـرُّ مِـنْهُ جُـلُـودُ
الـذينَ يَخْـشَـوْنَ رَبَّـهُـمْ ثُمَّ تَلِـيْنُ جُـلُـودُهُـمْ وَ قُـلُـوبُهُـمْ إلـى ذِكْـرِ اللّـهِ)
إنَّ للقُرْآنِ الكَريمِ شَأْنٌ خَاصٌّ، وَمَنْهَجٌ فَريدٌ، في تَناوُلِ مَوْضُوعَاتِهِ، فَهيَ تَتَداخَلُ فيهِ حَتَّى لَكَأنَّهُ لاَ يُريدُ مِنَّا النَظَرَ إلى تِلْكَ المَوْضُوعَاتِ لِذَاتِهَا، وَ إنَّمَا يُريدُ
أنْ يَضَعَهَا في إطَارِ الوَحْدَةِ المُرْتَبِطَةِ بِمَصْدَرِهَا وَيَبُثُّهَـا في فِكْرِ المُتَلَقِّي مُجْتَمعَةً لِذَلِكَ: لاَ يَمَلُّ مِنْهُ سَامِعُهُ..
وَلاَ تَنْتَهي عَجَائِبُهُ، وَهَوَ بِذَلِكَ يُحَقِّقُ أهْدَافَهُ الدينِيَّةَ وَالتَرْبَويَّةَ مَعَاً، مِنْ أجْلِ حَياةٍ كَريمَةٍ للفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ عَلى السَواءِ، مِنْ خِلاَلِ تَوزيعِ المَوْضُوعَاتِ عَلى سُوَرِهِ وَآيَاتِهِ، في سِيَاقٍ نَفْسيٍّ وَدينيٍّ وَدُنْيَوِيٍّ لاَ نَظِـيرَ لَـهُ، مَعَ الأخْذِ بِعَيْنِ الاعْتِبَارِ طُولَ السُوَرِ وَقِصَرِهَا، وَلَوْنِهَا الأدَبيِّ، بِحَيْثُ لاَ يَدَعُ أيَّ مَجَالٍ للشَكِّ بِأنَّهُ كِتابٌ سَمَاويٌّ يَهْدُفُ لِبِنَاءِ الإنْسَانِ لَيْسَ إلاَّ، وَمَا أحْوَجَهُ للبِناءِ، فإذا كُنتَ تُخطّطُ لعشْـرِ سـنواتٍ فازرعْ شـجَراً، و إذا كُنْتَ تُخطّطُ لمـئة سـنة فازرعْ بَـشَـراً.
ثـنـائـيّة: [يَـهدي، يَـهِـدّي]
إنّ كلـمَة [يَهْـدي] تعني الهداية لِمَـرَّةٍ واحِـدَةٍ، بينـمـا كلمة [يَهِـدِّي] فتعني الهداية بِشَـكْلٍ دائِـمٍ:
(قُلْ هَـلْ مِـنْ شُـرَكَـائِـكُـمْ مَـنْ يَهْـدي إلـى الـحَـقِّ قُلِ اللّـهُ يَهْـدي للـحَـقِّ، أَفَمَـنْ يَهْـدي إلـى الـحَـقِّ أحَـقُّ أنْ يُتَّبَعَ أمَّـنْ لاَ يَهِـدِّي إلاَّ أنْ يُهْـدَى)
، وَ اللّهُ يَهْدي مِنَ الناسِ مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمُ الهِدايَةَ وَيَطْلُبَها:
(وَأنَّ اللّـهَ يَهْـدي مِـنْ يُريدُ)
(وَلِـكِـنَّ اللّـه َيَهْـدي مِـنْ يَشَـاءُ)
أيْ مَنْ يشاءُ ويُريدُ الهداية منَ الناس، وَالآيَةُ التالِيَةُ تُوُضِحُ الأَمْرَ بِشَكْلٍ صَريحٍ:
(ذَلِـكَ هُـدى اللّـه يَهْـدي بِهِ مَـنْ يَشَـاءُ مِـنْ عِـبادِهْ، وَ لَـوْ أَشْـرَكُوا لَـحِـبِطَ عَـنْهُـمْ
مَـا كَانُوا يَعْـمَـلُـونَ)
، (وَاللّـهُ يَهْـدي مِـنْ يَشَـاءُ إلـى صِـراطٍ مُـسْـتَقيمٍ)
وَالذينَ لاَ يَطْلُبُونَ الهِدايَةَ مِنَ الناسِ هُمْ مِنَ: [الظَالمينَ، الكَافرينَ، الفاسقين، الكاذبين، الخائنين]،
يقول تعالى:
(وَاللّـهُ لاَ يَهْـدي الـقَـوْمَ الـظَـالـمِـينَ
، (إنَّ اللّـهَ لاَ يَهْـدي الـقَـوْمَ الـكَـافرينَ)
، (وَاللّـهُ لاَ يَهْـدي الـقَـوْمَ الـفَاسِـقـينَ)،
(إنَّ اللّـهَ لاَ يَهْـدي مَـنْ هُـوَ كَـاذِبٌ كَـفَّارٌ)
(وَأنَّ اللّـهَ لاَ يَهْـدي كَـيْدَ الـخَـائِـنينَ)
فَعِنْدَمَا تَكُونُ الكَلِمَةُ بِصِيغَةِ الفِعْلِ [يُضِلُّ =]، فَإنَّها تَعْني حَالَةً خَـاصّةً جِـدّاً يُريدُهَا اللهُ للضَرورَةِ، أمَّا عِنْدَمَا تَأتي بِصيغَةِ الاسْمِ [مُضِلٌّ]، فَإنَّهَا تَعْني الحَالَةَ العَامّـةَ، فالشَيْطَانُ مَخْلُوقٌ [مُضِلٌّ]، لأنَّ مِنْ طَبيعَتِهِ أنْ يُضِلَّ:
(قَالَ هَـذا مِـنْ عَـمَـلِ الـشَـيْطَـانِ إنَّهُ عَـدُوٌ مُـضِـلُّ مُـبيـنٌ)
وَتأتي الهِدايَةُ بالصِيغَةِ الاسْـميَّةِ [هَـاد] مَعَ المَولى تَبارَكَ وَتعالى، لأنَّ مِنْ صِفاتِهِ الأسَـاسيَّةِ الهُـدَى:
(وَإنَّ اللَّـهَ لَـهَـادِ الـذينَ آمَـنُوا)
(وَكَـفَى بِرَبِّكَ هَـادِيَاً وَنَصِـيراً)
، أمَّا حَالاتُ الضَلالِ التي مرَت معنـا، فهيَ الحَالَةُ الاسْـتِثْنائيَّةُ للخَالِقِ تَعالى، لِذَلِكَ تَأتي كَلِمَةُ الضَلالِ
بالصِيغَةِ الفِعْليّةِ: [يُضِلُّ]:
(كَـذَلـِكَ يُضِـلُّ اللّـهُ مَـنْ هُـوَ مُـسْـرِفٌ مُـرْتَابٌ)
(كَـذَلِـكَ يُضِـلُّ اللَّـهُ الـكَـافِرينَ)
نـاقة اللـه، مخلـوقات الله
ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلْنَاسِ، نَـاقَةَ النبي صَالِح عليه السلام، وَ بِمَا أَنَّهَا [نَـاقَةَ اللّهِ]،
لِذَا يَجِبُ أَنْ تُتْرَكَ وَ شَأْنَهَا تَسْرَحُ في الطَبيعَةِ، دُونَ أَنْ يُؤْذِيَهَا أَحَـدٌ:
(وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللَّـهِ لَـكُـمْ آيَةً فَذَروهَـا تَأْكُـلُ فـي أَرْضِ اللّهِ وَ لاَ تَمَـسُّـوهَـا بِسُـوءٍ فَيَأْخُـذُكُـمْ عَـذَابٌ قَـريبٌ)
وَجَميْعُ المَخْلُوقَاتِ الأُخْرى، مِثْلَ العَصَافيْرِ وَالطُيُورِ وَحَتّى المَخْلُوقَاتِ البَرِيَّةِ مِثْلَ الدِبَبَةُ وَالنُمُورِ وَحَيَوانَاتِ [السِيْركِ] ...، أَلَيْسَـتْ مَخْلُوقَاتُ اللّهِ؟! فَلِمَاذَا نَسْـجُنُها في الأقْفَاصِ، ثُمَّ نَتَفَرَّجُ عَلَيْهَا ذَلِيْـلَةً حَزِيْنَـةً، بِبِرودَةِ أَعْصَـابٍ خَالِيَةٍ مِنْ أيِّ إحْسَاسٍ بِمَشَـاعِرِهَا، أَلَيْسَتْ أُمَمَـاً مِثْلنَـا:
(وَمَـا مِـنْ دَابَّةٍ في الأَرْضِ وَلاَ طَـائِرٍ يَطِـيْرُ بِجَـنَاحَـيْهِ إلاَّ أُمَـمٌ أَمْـثَالُـكُـمْ) ،
وَ اللّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الذي تَكَفَّلَ بِتَرْبِيَتِهـا وَرِعَايَتِهـا:
(وَمَـا مِـنْ دابَّةٍ إلاّ هُـوَ آخِـذٌ بِـنَاصِـيَتِهـا إنَّ رَبّـي عَـلـى صِـراطٍ مُـسْـتَقيم)
كَمَا تَكَفَّلَ المَوْلى بِإطْعَامِهَـا جَميْعَاً:
(وَمَـا مِـنْ دابَّةٍ في الأَرْضِ إلاّ عَـلَـى اللّـهِ رِزْقُهَـا)
، بَعْدَ كُلِّ هَذَا الإِيْضَاحِ مِنَ المَوْلى، ماَ زِلْنـَا نَقْتُلُ وَنَسْجُنُ وَنُعَذّبُ مَخْلُوقَاتِ اللّهِ، فَكَيْفَ نَرْتَاحُ لِمَنْظَرِ العِصَافيرِ
في القَفَصِ! ألَيْسَ مَكانَها الطبيعيّ عَلى الأشْجَارِ، لِمَاذَا تَهْرُبُ مِنَّـا الطُيُورُ، أَلَيْسَ بِسَبَبِ قسوتنـا معهـا؟!
وَقَدْ ذَكَرَ لَنَـا المَوْلى سُبْحَانَهُ مِثَالاً رائِعَـاً عَنْ دَاوودَ عليْهِ السلام وَشِدَّةِ رِفْقِهِ بالطُيُورِ، بِحَيْثُ كَانَتْ
تَأْتي إلَيْهِ مُسْـرِعَةً:
(وَالـطَـيْرَ مَـحْـشُـورةً كُـلٌّ لَـهُ أَوَّابٌ)
ثـنـائـية: [عـباد، عـبيـد]
إنّ كلمة [عِـباد] تعني أنّهُم يَعْبُدونَ اللّهَ بِمَحَبّـَةٍ وَرِضَـى، بينمـا كلمة [عـبيد]
فهي من أجل الأُمُـورِ الأسَاسِيَّةِ العَـامّةِ مِثْلَ المَـوْتِ مَثَـلاً.
وَاللّـهُ يُريْدُ لِلنَاسِ أَنْ يَكُونُوا عِبـادَاً لَـهُ، أيْ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ، وَ لاَ يُرِيْدُهُمْ عَـبيْداً يَعْبُدونَهُ قَهْراً،
فالعِبَـادُ دَوْمَاً مُكَرَّمُون: (عِـبَادٌ مُـكْـرَمُـونَ)
(عِـبَادَكَ مِـنْهُـمُ الـمُـخْـلَـصِـيْن)
(وَعِـبادُ الـرَحْـمَـنِ الـذينَ يَمْـشُـونَ عَـلى الأرْضِ هَـوْناً)
(وَاللّـهُ رَؤوفٌ بِالـعِـبَادِ)
(نَبِّىئ عِـبَادِيَ أنِّي أنَا الـغَـفُـورُ الـرَحِـيْمُ)
(إنَّهُ مِـنْ عِـبَادِنا الـمُـخْـلَـصِـيْن)
،
والقرآن الكريم الذي نزل في الأيام المباركة هو هدايةٌ للعبـاد وليس للعـبيد:
(جَـعَـلْـناهُ نُوراً نَهْـدي بِهِ مَـنْ نَشَـاءُ مِـنْ عِـبَادِنا)
لذلك: (فَبَشِّـرْ عِـبَادِ)
أمّا العَـبيدُ فَهِيَ للقَوانيْنِ العَـامّةِ مِثْلَ:
المَـوْتِ وَالنَوْمِ وَالشَيْخُوخَةِ وَالـقِيامَةُ وَالبَعْث، وَ الجَميعُ مُتَسَاوونَ في هَذِهِ
الأُمُورِ، لِذَلِكَ: (وَمَـا رَبُّكَ بِظَـلاَّمٍ لِلْـعَـبيْدِ)
(وَمَـا أنا بِظَـلاَّمٍ لِلْـعَـبيْدِ)
ثـنـائـيـة: [يـئـسَ، اسـتـيْـأسَ]
إنّ كلمة [يـئـسَ] تعني يَئِـسَ ذَاتِيّـاً دونَ وُجُودِ مُؤَثِّـرٍ خَارجيّ، أمّـا كلمة [اسْـتَيْأَسَ] فتعني جَـاءَهُ اليَـأْسُ مِنْ مُؤَثِّـرٍ خَارجيّ، يقول تعالى:
(الـيَوْمَ يَئِـسَ الـذينَ كَـفَـروا مِـنْ دِيْنِـكُـمْ)
أيْ: يئسوا لِذاتِهِمْ دونَ أنْ تَكُونوا أنْتُمُ السَبَبَ (الـذينَ كَـفَروا بِآيَاتِ اللَّـهِ وَلِـقَائِهِ أُولَـئِـكَ يَئِسُـوا مِـنْ رَحْـمَـتي)
أيْ: يَئِسُـوا لِذاتِهِمْ دونَ أنْ يَكُونَ اللّهُ سُبْحانَهُ السَبَبَ في يَأْسِهِمْ، وفي ذات المعنى قوله تعالى:
(كَـمَـا يَئِـسَ الـكُـفَّـارُ مِـنْ أَصْـحَـابِ الـقُبُورِ)
، أي: يَئِـسوا لِذاتِهِمْ دونَ أنْ يَكُون اللّهُ السَبَبَ في يَأْسِهِمْ أثْناءَ حَياتِهِمْ، فَأبْوابُ التَوْبَةِ وَاَلإيْمانِ كَانَتْ مَفْتُوحَةً أمَامَهُمْ، لَكِنَّهُمْ رَفَضُوا الإيْمانَ، فمن طبيعة الإنسان (لاَ يَسْـأمُ الإنْسَـانُ مِـنْ دُعَـاءِ الـخَـيْرِ وَإذَا مَـسَّـهُ الـشَـرُّ فَـيَؤوسُ قَنُوط)
(وَإذَا مَـسَّـهُ الـشَـرُّ كَـانَ يَؤوسَـاً)
أمّـا: اسْـتَيْأَسَ: هُناكَ مَنْ دَفَعَهُ وَكانَ السَبَبَ في يَأْسِـهِ، فالكُفَّارُ مَثَلاً هُمُ الذينَ أَوْصَلوا الرُسُلَ الكِرام إلى
اليَـأْسِ بِسَبَبِ عِنادِهِمْ:
(حَـتّى إذَا اِسْـتَيْأَسَ الـرُسُـلُ)، وَيُوسُفُ عليه السلام أوْصَلَ إخْوَتَهُ لِليَـأْسِ مِنْ أَخْذِ أَخُيه،