سورة (ص) هي السورة الثامنة والثلاثون بحسب ترتيب المصحف العثماني، وهي كذلك في عداد نزول السور،
نزلت بعد سورة القمر، وقبل سورة الأعراف. وهي سورة مكية بالإجماع، وعدد آياتها ثمان وثمانون آية.
وقد روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: مرض أبو طالب، فجاءته قريش، وجاءه النبي صلى
الله عليه وسلم -وعند أبي طالب مَجْلِس رجل- فقام أبو جهل كي يمنعه، قال: وَشَكَوه إلى أبي طالب، فقال:
يا ابن أخي! ما تريد من قومك؟ قال: (إني أريد منهم كلمة واحدة، تَدِين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم
العجم الجزية) قال: كلمة واحدة! قال: (يا عم! يقولوا: لا إله إلا الله) فقالوا: أإلهاً واحداً؟ ما سمعنا بهذا
في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق، قال: فنزل فيهم القرآن: {ص والقرآن ذي الذكر} (ص:1) إلى قوله:
{ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق} (ص:7) قال الترمذي: حديث حسن.
فهذا نص في أن نزوله هذه السورة في آخر حياة أبي طالب وفي مرض موته -كما ذكر ابن عطية
- فتكون هذه السورة قد نزلت في سنة ثلاث قبل الهجرة.
مقاصد السورةتناولت السورة -كغيرها من السور المكية- ثلاث قضايا رئيسة: قضية التوحيد، وقضية الوحي إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقضية الحساب في الآخرة، وتعريض هذه القضايا الثلاث في مطلعها، فجاءت فاتحتها مناسبة لجميع أغراضها؛ إذ ابتدأت بالقَسَم بالقرآن الذي كذب به المشركون، وجاء المقْسَم عليه أن الذين كفروا في عزة وشقاق، وكل ما ذكر فيها من أحوال المكذبين سببه اعتزازهم وشقاقهم، ومن أحوال المؤمنين سببه ضد ذلك. هذه مقاصد السورة من حيث العموم.أما من حيث التفصيل، فجاءت أهدافها وفق التالي:- توبيخ المشركين على تكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم وتكبرهم عن قبول ما أُرسل به، وتهديدهم بمثل ما حل بالأمم المكذبة قبلهم، وأنهم إنما كذبوه؛ لأنه جاء بتوحيد الله تعالى؛ ولأنه اختص بالرسالة من دونهم.- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عن تكذيب المشركين له، وأن يقتدي بالرسل من قبله، داود وأيوب وغيرهما وما جوزوا عن صبرهم.- الدعوة إلى الحكم بين الناس بالعدل، والنهي عن اتباع الهوى، والوعيد الشديد لمن لم يهتدِ بهدي القرآن.- توجيه النبي صلى الله عليه وسلم -والمؤمنين معه- إلى الصبر على ما يلقاه من المكذبين، والتطلع إلى فضل الله ورعايته، كما تمثلهما قصة داود وقصة سليمان عليهما السلام.- تضمنت السورة قصة أيوب، التي تصور ابتلاء الله للمخلصين من عباده بالضراء، وصبر أيوب مثل في الصبر الذي ينبغي أن يُقتدى به.- تأسية الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، عما كانوا يلقونه من الضر والبأساء في مكة، وتوجيه إلىما وراء الابتلاء من رحمة، تفيض من خزائن الله عندما يشاء.- تعرض السورة صورة مصارع الغابرين، الذين طغوا في البلاد، وتجبروا على العباد، واستعلوا على الرسل والأنبياء، ثم انتهوا إلى الهزيمة والدمار والخذلان...الهزيمة والدمار والهلاك للطغاة المكذبين. ثم تعرض بإزائها صفحة العز والتمكين والرحمة والرعاية لعباد الله المختارين، في قصص داود، وسليمان، وأيوب عليهم السلام.- عرضت السورة مشهداً من مشاهد القيامة، يصور النعيم الذي ينتظر المتقين، والجحيم التي تنتظر المكذبين، وتكشف عن استقرار القيم الحقيقية في الآخرة بين هؤلاء وهؤلاء، حين يرى المتكبرون مصيرهم ومصير الفقراء الضعاف، الذين كانوا يهزؤون بهم في الأرض، ويسخرون منهم، ويستكثرون عليهم أن تنالهم رحمة الله، وهم ليسوا من العظماء ولا الكبراء، ويُختم المشهد ببيان أن للمتقين لحُسْنُ مآب، وأن للطاغين لشر مآب.- إثبات البعث بقصد جزاء العالمين بأعمالهم من خير أو شر، وأنه ليس للبشر شيء من ملك السماوات والأرض، وإنما يفتح الله من رزقه ورحمته على من يشاء.- أن الله سبحانه يختار من عباده من يعلم استحقاقهم للخير، ويُنعم عليهم بشتى النِّعَم، بلا قيد، ولا حد، ولا حساب.- تصور السورة جزاء المؤمنين المتقين، ومقابله من جزاء الطاغين، الذين أضلوهم، وقبحوا لهم الإسلام والمسلمين.- تعرض السورة بشكل موجز لقصة البشرية الأولى، وقصة الحسد والغواية من العدو الأول إبليس، الذي يقود خطى الضالين عن عمد وعن سابق إصرار، وهم غافلون.- أن الذي أردى إبليس، وذهب به إلى الطرد واللعنة، كان هو حسده لآدم عليه السلام، واستكثاره أن يؤثره الله عليه ويصطفيه، كما أن المشركين يستكثرون على محمد صلى الله عليه وسلم أن يصطفيه الله من بينهم بتنزيل الذكر، ففي موقفهم شَبًه واضح من موقف إبليس المطرود اللعين.- ترد في ثنايا القصص في هذه السورة لفتة تلمس القلب البشري، وتوقظه إلى الحق الكامن في بناء السماء والأرض، وأنه الحق الذي يريد الله بإرسال الرسل أن يقره بين الناس في الأرض.- تختم السورة مقاصدها ببيان أن ما يدعو إليه الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتكلفه من عنده، ولا يطلب عليه أجراً، وأن له شأناً عظيماً سوف يتجلى في حينه المقرر عنده سبحانه.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]