في يوم الأم أهدي هذا المقال لكل امرأة حرمت من الإنجاب، أنت أم إن أردت…
وقفات مع سيدتنا عائشة الكاملة…
عائشة والأمومة المتعدية…
هي من كملة النساء، نموذج نسائي للاقتداء، وقبله وبعده للتأمل والوقوف مع سيرتها العطرة المليئة بالدروس والعبر، شخصية عملاقة بصفاتها ومواصفاتها، بعمقها الإيماني والإنساني، لم تمنعها أنوثتها من بلوغ الكمال، بل كانت أنثى في كمالها، وكانت كاملة بأنوثتها، مثبتة أن لا تعارض بينهما وأن لا نظرة دونية للمرأة في الإسلام بل لها أن تبلغ أعلى المقامات، فها هي سيدتنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها تبلغ الكمال وتعتلي ذروة سنامه لتتربع على عرشه متفردة بين النساء، ويشهد لها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو من ربى المرأة كما الرجل على طلبه، وأنتجت تربيته نساء كاملات كن نموذجا وقدوة حية حتى تطلب النساء ما طلبن.
يطول الحديث ويتشعب إن رمنا الإحاطة بكل سيرة السيدة عائشة، ولن يسعفنا لا الوقت ولا الكلمات لذلك نكتفي كل مرة بنبذة نستجلي منها الدروس والعبر تكون لنا نبراسا. فمن سماتها أنها لم تكن أما بيولوجية لذرية من نسلها، ورغم ما للأمومة من مكانة في تمام أدوار المرأة لحد قد تختزل فيه كل قيمة المرأة، إلا أن ذلك لم يمنعها من بلوغ الكمال، مثبتة أن الأمومة الحقة ليست بالولادة فقط، فكم من والدة ليست بأم حين عقت نسلها وأهملت مسؤوليتها وولدت غثاء كغثاء السيل لا يجدي نفعا، بل قد يكون عالة على المجتمع وعبئا ثقيلا وضررا عليه بما يستبطنه من انحرافات وجنوح للتخريب، ولا طاقة له على العطاء والاندماج حين لم يجد أما تربي وتقوم وتنمي، وكم من أم لم تلد قط، فالأمومة خاصية نسائية تعلي من شأن المرأة وتعطيها قيمة رمزية في سلم الوجود تتجاوز الفعل البيولوجي كغريزة، والذي تشترك فيه كل الكائنات، لتكون مقومات روحية ونفسية واجتماعية تمتاز بها المرأة وتصطبغ بها وتستقيم بها الحياة الاجتماعية فتنمو وتزدهر، بل الأمومة أعلى مقاما من ذلك فهي الحبل السري والفطري الذي يربط البشرية بخالقها، وجماعها خلق الرفق يسري في أوصال الحياة صبرا ومصابرة ولينا وتفانيا وبذلا بلا حدود، واحتضانا واحتواء للإنسان وبنائه في أدق تفاصيله.
فالأمومة إذا صناعة هي ليست ككل الصناعات، تفوقها بدرجات، إذ مادتها الإنسان وخامتها روح
بشرية تتعهدها عناية الأمومة،
وبهذا المعنى كانت سيدتنا عائشة أما للمؤمنين ولها اليد الطولى في تبليغ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والاحتضان التربوي للصحابة والصحابيات، فبيتها كان ملاذا لمن أهمه أمر وغلبته مشاكله وطلب مدارج الارتقاء عند مولاه، ليجد القلب الرحيم الرفيق الحاني والفهم القويم الباني والتوجيه السليم السديد من معين مشكاة النبوة، بل ومن سيدة لصيقة بخصوصيات رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدق تفاصيلها، استوعبتها بفهمها المتفرد وقلبها المنور بنور الله، فكانت قناة واصلة موصلة ارتوت منها القلوب والعقول، لم تقف عند التبليغ حين تمكنت من زمامه وبرعت في أدواته بل مارست فعل التربية بكل أبعاده ومقوماته.
وبهذا المعنى أنجبت سيدتنا عائشة نجباء سعدت بهم البشرية، ومارست فيهم أمومتها لتروي بها وتستكفي من أدنى إحساس بالحرمان من هذا العطاء الرباني، لذلك فالمتتبع لسيرتها لا يستشف أي تذمر أو قنوط من حرمانها من الذرية، ولم يشكل لها ذلك أي عائق في حياتها، لتقف عنده ولو التفاتا وتهمما وبالأحرى أن تتوقف عنده وتختزل كينونتها ووجودها فيه، فهي مارست الأمومة بمعناها الواسع والكامل.
فما أحوجنا في هذا الوقت لأمومة متعدية تجاوزت أنانيتها في إشباع غريزة الأمومة المنكفئة على نسلها الشحيحة إلى غيرها، لتوظف صفات الأمومة ومقوماتها وفيوضاتها الربانية في بناء مجتمع التراحم، بدل مجتمع العنف والتصحر العاطفي والتفكك الأسري المدمر لطفولة لم تجد محضنا تنمو فيه تزهر، ولتسد خصاص أمهات والدات لكنهن ما أتقن مهنة الأمومة ولا استشعرن معانيها، أنجبن نسلا تركنه هملا، أمومة عاقة مستهترة.