اليوم الآخر هو نهاية الزّمان المحدود وآخر أيّام الدنيا، ويُعْرَف بيوم القيامة، ومن مقدّماته الحياة البرزخيّة بعد الموت وأشراط الساعة، فهما جزءٌ منه، وسمّي بالآخر لأنّه اليوم الأخير الذي لا يوم بعده؛ وفيه يقسّم الناس بعد الحساب والجزاء ويُحشرون إلى مأواهم الأخير؛ إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النار، والإيمان باليوم الآخر شرطٌ من شروط الإيمان، وينبغي ألّا يكون الإيمان به مجملاً فحسب؛ بل يجب الإيمان بكل ما فيه من الأحداث والتفاصيل.
حكم الإيمان باليوم الآخر
إنّ الإيمان باليوم الآخر هو أحد أركان الإيمان الستة، وقد وردت الكثير من الأدلّة التي تُبيّن وجوب وفريضة الإيمان باليوم الآخر، حيث قُرن بين الإيمان باليوم الآخر والإيمان بالله تعالى في الكثير من الآيات القرآنية، ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى في سورة البقرة: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}، وجاء في حديث جبريل الطويل قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- لمّا سُئل عن الإيمان: (أنْ تُؤْمِنَ باللهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ).
[size=24]وتأتي أهميّة الإيمان باليوم الآخر من تكرار ربْط الله -سبحانه وتعالى- الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر، كقوله -تعالى-: (وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)، وكذلك من كثرة ذكر هذا اليوم في القرآن الكريم؛ حيث لا يكاد قارئ القرآن يمرّ على صفحةٍ من القرآن إلّا ويجد لليوم الآخر فيها ذكراً، ولا يستوي إيمان العبد إلا إذا صدّق بهذا اليوم، فهو أحد أركان الإيمان، كما أن لهذا اليوم أثراً كبيراً على سلوك المسلم؛ فهو سببٌ في تقوى الله، واستقامة سلوك العبد، وعدم التشبّثّ بالدنيا.[/size]
إنّ الإيمان باليوم الآخر هو أحد أصول الإيمان التي لا يتمّ إيمان العبد ولا يستقيم إلّا بها جميعًا، وممّا يدلّ على أهميته؛ كثرة ذكره في كتاب الله وربطه بالإيمان بالله تعالى، وللإيمان باليوم الآخر فوائد عظيمة ومنافع جليلة تعود على الفرد بالخير
مكانة الإيمان باليوم الآخر
زخرت نصوص القرآن الكريم والسنّة النبوية بالحديث عن اليوم الآخر وأحداثه ومقدّماته؛ حيث يبدأ هذا اليوم بحدوث تغيّراتٍ كبيرةٍ في الكوْن، فتنشقّ السماء، وتتصادم الكواكب ببعضها، وتتناثر النجوم، وتذوب الجبال، ويتدمّر كلّ ما اعتاد الناس على شَكله
وكلّ ذلك يكون بعد أن يأمر الله -سبحانه وتعالى- الملَك إسرافيل -عليه السلام- بالنّفخ في الصور، فيموت ويُصعق جميع من في السماوات والأرض، قال الله -تعالى-: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ*وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً)،[١٠] وقال -سبحانه-: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ)ودلّت الكثير من آيات القرآن الكريم والسنّة النبويّة على أن الإيمان باليوم الآخر واحدٌ من أركان الإيمان، فتارة يُقرن الإيمان باليوم الآخر مع أركان الإيمان الأخرى؛ كقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أن تؤمن بًالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بًالقدر خيره وشره) وتارة يُقرن بالإيمان بالله -تعالى-، كقوله
-سبحانه-: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ)
مضامين الإيمان باليوم الآخر
يتضمّن الإيمان باليوم الآخر عدّة أمورٍ لا يتمّ إلّا بها، وهي:
أوّلها أن يؤمن العبْد بمقدّمات اليوم الآخر؛ كالموت، وعذاب القبر، وعلامات الساعة. ثانيها أن يؤمن ببعث الله للناس من القبور.
ثالثها الإيمان بأحداث اليوم الآخر نفسه؛ كالحشر، والحساب، والجزاء، والشفاعة، والحوض، والصراط، ونحوه.
رابعها الإيمان بوجود الجنّة ونعيمها والنار وعذابه، وأن الناس مصيرهم إمّا إلى الجنّة أو إلى النار، وكل ما أخبر الله وأخبر رسوله من أحداث اليوم الآخر أو ما يتّصل به واجبٌ على المسلم الإيمان به على وجه اليقين، والتصديق بأن ما ورد من الأشراط والأحداث لا بدّ أن يظهر ويأتي حقيقةً، دون تأويلٍ شخصيّ، بل يؤمن العبد بما جاء بالنصوص الشّرعية وما فسّره أهل العلم الثقات، ويحرص على تذكّر قرب يوم القيامة باستمرار؛ ليزداد صلةً وتقرّباً لله -تعالى-.
وقد قسّم العلماء علامات اليوم الآخر إلى علاماتٍ صغرى وأخرى كبرى:
الصغرى هي ما دلّت على اقتراب يوم القيامة، ووقع أغلبها؛ كبِعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكثرة القتل، وضياع الأمانة، وغيرها من العلامات الواردة في النّصوص الشّرعية الصحيحة.
العلامات الكبرى فهي أقرب للساعة من الصغرى، وتُنذر ببدء الساعة؛ ومنها خروج المهدي، وظهور الدجّال، ونزول نبي الله عيسى -عليه السلام-، وخروج يأجوج ومأجوج، والدخان، وطلوع الشمس من مغربها، وغيرها من العلامات الواردة في النصوص الشّرعية الصحيحة، وهذه الأمارات تأتي مُتتابعةً وراء بعضها، فإن انتهت بعث الله العباد من القبور.
ثمرات وآثار الايمان باليوم الآخر
إنّ حصول الإيمان باليوم الآخر في قلب المسلم له آثارٌ عظيمةٌ في دنياه وآخرته، ومن هذه الآثار ما يأتي:
زيادة إقبال العبد على الطاعات
قال الله -عزّ وجلّ-: (الم* ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)،[١٩] فقد علّق الله -سبحانه- حصول الفوز والفلاح بإيمان العبد بالأمور الغيبيّة، ومنها اليوم الآخر الذي خصّه الله -تعالى- بالذّكر بياناً لأهميّته الكبيرة ولأثره -العظيم- على سلوك المسلم
الحرص على الاستعداد لليوم الآخر
حرص العبد على الزيادة من الأعمال الصالحة، وتجنّب الأعمال المُنكرة، وزيادة استعداده لهذا اليوم العظيم، قال الله -تعالى-: (فَأَمَّا مَن طَغَى* وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) والاستعداد لمواقف اليوم الآخر؛ من الوقوف للحساب أمام الله، وعبور الصراط، وتطاير الصحف، وغيرها، والتأثّر والخشية عند ذكر الآخرة، والرجوع والتوبة إلى الله -تعالى-.[٢١]
تحقيق التقوى
مراقبة العبد لأفعاله وأقواله، ومراجعة نفسه عليها، فلا يصدر منه إلّا الخير في سلوكه وتصرّفاته. والإيمان باليوم الآخر يجعل المسلم أكثر إقبالاً على الطاعات، وأكثر خوفاً ورهبةً من الله، وأكثر رجاءً في ثوابه ورضاه، وتذكّر هذا اليوم سببٌ في مواساة الإنسان مما يقع به من المصائب، فيرجو التعويض من الله بنعيم الآخرة وجنّتها، ويحفزّ عنده الصبر على ما يصيبه، والطمع بالأجر على ذلك.
أسماء اليوم الآخر
كثُرت أسماء يوم القيامة لعِظم شأن هذا اليوم، ولِكثرة أهواله وما يحدث فيه.
فلليوم الآخر الكثير من الأسماء منها:
يوم الآزفة؛ أي اليوم القريب.
يوم البعث؛ لأنه اليوم الذي يخرج فيه الناس من قبورهم وهم أحياء.
يوم التغابن؛ أي يوم انقسام الناس ثم حشرهم إلى الجنّة أو إلى النار.
يوم التلاق؛ حيث يلتقي فيه أهل الأرض وأهل السماء، ويلتقي الظالم والمظلوم، كما يلتقي الخلق بخالقهم.
يوم التّناد؛ حيث يُنادي أصحاب النار أصحاب الجنّة لينقذوهم من العذاب، وينادي أصحاب الجنّة أصحاب النار بأن وعد الله حقّ، وتُنادي الملائكة أصحاب الجنّة فتبشّرهم بالخلود في جنّات النعيم.
يوم الجمع.
يوم الحساب.
الحاقّة التي يحقّ فيها ويظهر كلّ عملٍ لصاحبه.
يوم الحسرة؛ الذي يتحسّر فيه الإنسان على ما فرّط.
يوم الخلود.
يوم الخروج.
ملخّص المقال:
إنّ الإيمان باليوم الآخر يعني اليقين بوجود يوم يقوم فيه العباد للجزاء والحساب، وهذا الإيمان واجب فهو أحد أركان الإيمان، وللإيمان باليوم الآخر أهمية كبرى، وقد دلّ على هذا الكثير من الآيات والأحاديث، كما أنّ للإيمان باليوم الآخر آثار وثمرات، ولليوم الآخر أسماء عديدة؛ مثل يوم القيامة ويوم البعث