أختي المسلمه : في هذه " الوصية " يحذر النبي الكريم صلي الله عليه وسلم من استغلال المناصب ،
وينكح جماح كل من ولاه الله تعالى منصبا عن أموال الناس وهداياهم ،
ويبين فيها : أن من استعمل علي عمل فمد يده لهدايا الناس أو أموالهم فهو آثم ومرتش
الرشوة : ـ بفتح الراء وكسرها ـ هي ما يمده المحتاج من مصانعة ومال ونحوه
لنيل حاجة متعذرة"أو هي :ما يدفعه ظالم لأخذ حق ليس له ،
أو لتفويت حق علي صاحبه انتقاما منه ومكرا به ،
وللحصول علي مناصب ليس جديرا به ، أو عمل ليس أهلا له
والرشوة : مأخوذة من الرشا أو الرشاء وهو " الدلو " أو "الحبل الذي يدلى ف البئر
من أجل الحصول علي الباقيةفهو يمد للحاكم حبال مودته الكاذبة من أجل
أن ينال ما يريد منه بأيسر طريق ، وأخس وسيلة غير مبال بما يترتب علي ذلك من
العواقب المهلكة والجرائم المزرية بالأخلاق والقيم
وهى : ضرب من ضروب أكل أموال الناس بالباطل ، وهى ماحقة للبركة ومزيلة لها
تحريم الرشوة بالكتاب والسنة :
جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تحذر من الرشوة ، ومن أكل أموال الناس بالباطل
قال تعالى : (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا
أي : لا تدلوا بأموالكم إلى الحاكم ، أي لا تصانعوهم بها ولا ترشوهم ليقتطعوا لكم
حقا لغيركم وأنتم تعلمون أنه لا يحل لكم
فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون)
وعن أبى أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :
(من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له عليها هدية فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا)
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال : " لعن رسول الله صلي الله عليه وسلم
الراشي والمرتشي في الحكم " ؟
وعن عبد اله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (لعنه الله علي الراشي والمرتشي)
ومن الآثار قال ابن مسعود رضي الله عنه : (الرشوة في الحكم كفر ، وهي بين الناس سحت)
وعنه رضي الله عنه ، قال : (السحت أن تطلب لأخيك الحاجة فتقضي فيهدى إليك هدية فتقبلها منه)
أنواعها
الرشوة ثلاثة أنواع
النوع الأول
ما يتوصل به إلى أخذ شيء بغير حق كالتي يدفعها الجاهل الآثم ن لحاكم أو مسئول
من أجل الحصول علي إعفاء من شيء وجب عليه أداؤه ،
أو للحصول علي شيء قبل أوانه ، أو من أجل ترويج سلعة فاسدة ،
أو من أجل أن يحظى بصيد ثمين في مزاد علني أو مناقصة عالمية ،
وما أشبه ذلك من الأمور التي يترتب عليها أكل أموال الناس بالباطل
وهذا النوع هو من أشد الأنواع جرما وأعظمها إثما وأكبرها خطرا على المجتمع ..
قال الله تعالى : (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا
فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون)
ما يتوصل به إلى تفويت حق على صاحبه انتقاما منه بدافع من الغيرة والحسد وما إلى ذلك .
وهو قريب من النوع الأول بل هو داخل فيه وهل هناك شيء أكبر جرما من ظلم الأخ
لأخيه بمثل هذه الوسيلة المخزية المردية ؟! ليس في العالمين أخبث سريرة ،
وأسوأ سيرة من ذلكم المحتال على الحاكم ، لحماهم على تضييع الأمانة ،
وتفويت الحقوق على مستحقيها
ما يتوصل به إلى منصب أو عمل وهو حرام بإجماع الأمة ....
وتشتد الحرمة إذا كان الراشي ليس جديرا بهذا المنصب ، ولا أهلا لذاك العمل
أجاز العلماء دفع الرشوة من أجل رفع ظلم أو رد حق ، شريطة أن يتيقن من أنه
لا يستطيع التوصل إلى دفع هذا الظلم أو ر هذا الحق إلا إذا دفع رشوة
لمن بيده القدرة علي ذلك والإثم هنا يقع على الآخذ دون المعطي
وذلك لأن المشقة تجلب التيسير ..
والله تعالى يقول : (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)
ورفع الحرج له أصل في أصل في الشريعة ، شريطة أن تقدر الضرورة بقدرها .
وقال تعالى : (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم)
فهذه الآية عامة تشمل بعمومها كل مضطر معرض للخطر المحقق ،والضرر المحدق
ولا يجوز أن تتسع دائرة الإباحة في هذا الأمر لتشمل كل اضطرار فهناك ضر خفيف
لا يقاوم إثم الرشوة وما يترتب عليها من غضب وعقاب وبالجملة :
فالإنسان أبصر بنفسه ، وهو المسئول وحده عن تصرفه بين يدي الله يوم القيامة ،
هل كان معذورا أم لا ؟ والسعيد من أعد للسؤال جوابا فإذا تعرض لدفع رشوة وهو كاره ،
ومضطر فلا جناح عليه عند جمهور العلماء ، ولكن عليه أن يتبع السيئة بالحسنة
أما المرتشي فإن عليه من الوزر ما تقشعر منه القلوب والأبدان إن ذنب الرشوة لا يقل
عن الربا لما فيها من استغلال القوى للضعيف ، والحاكم للمحكوم ،
ولما يترتب عليها من ضياع للحقوق وإفساد للذمم وإغطاط الأخلاق
وقال الحافظ الذهبي : رحمه الله تعالى : (قال العلماء .... وإنما تلحق اللعنة الراشي
إذا قصد بها أذية مسلم ، أو ينال بها ما لا يستحق .
أما إذا أعطى ليتوصل إلى حق له ويدفع عن نفسه ظلما فإنه غير داخل في اللعنة .
وأما الحاكم فالرشوة عليه حرام أبطل بها حقا أو دفع بها ظلما)
وقد روى من حديث آخر : (إن اللعنة على الرائش أيضا وهو الساعي بينهما ،
وهما تابع للراشي في قصده ، إن كان خيرا لم تلحقه اللعنة وإلا لحقته)
وبالجملة : فالرشوة من أجل دفع الضرر ورد الحق الضائع جائزة شرعا وعرفا بشرطين
الأول : تيقنه من استحالة نيل حقوقه إلا بها (وتكون بقدر الضرورة فقط )
والثاني : ألا يستحل ذلك ، بل يستنكره في نفسه على الأقل ، ويستغفر الله تعالى