و قال تعالى في سورة طه : (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا) في هذه الوصية يحذرنا النبي صلى الله عليه و سلم من الظلم و عاقبته و يأمرنا أن نتجنبه بالخوف من الله تعالى في السر و العلانية
الترهيب من الظلم و مآل الظالمين
و قد عاقب الله تعالى الظالمين و قص علينا قصصهم ليكونوا عبرة لمن يعتبر قال تعالى في سورة ابراهيم:
(وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ)
و عن ابي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته) ثم قرأ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)
و عن جابر بن عبد الله قال: لما رجعت مهاجرة الحبشة عام الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "ألا تحدثوني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة؟" قال فتية منهم: بلى يا رسول الله بينما نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من الماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفها ثم دفعها فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت: سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي و جمع الله الأولين و الآخرين و تكلمت الأيدي و الأرجل بما كانوا يكسبون سوف تعلم كيف أمري و أمرك عنده غداً قال: فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
(صدقت كيف يقدس الله قوماً لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم)
و عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال:
(اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب)
و عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
(اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة)
و عن خزيمة ابن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
(اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام يقول الله: و عزتي و جلالي لأنصرنك و لو بعد حين)
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما المفلس؟
قالوا: المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأخذ مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)
عم وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: بنى جبار من الجبابرة قصراً و شيده فجاءت عجوز فقيرة فبنت إلى جانبه كوخاً تأوي إليه فركب الجبار يوماً و طاف حول القصر فرأى الكوخ فقال: لمن هذا؟
فقيل: لامرأة فقيرة تأوي إليه فأمر به فهدم فجاءت العجوز فرأته مهدوماً فقالت: من هدمه؟
فقيل: الملك رآه فهدمه فرفعت العجوز رأسها إلى السماء
و قالت: يا رب إذا لم أكن أنا حاضرة فأين كنت أنت؟
قال: فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على من فيه فقلبه
أنواع الظلم
للظلم أنواع لا تحصى و من أكثرها شيوعاً
المماطلة بحق عليك مع قدرتك على الوفاء
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "مطل الغني ظلم
ومطله منع أداءه وتأخيره و المقصود من الحديث أن المماطلة في إعطاء الغني حقه ظلم و إذا كانت مماطلة الغني في حقه ظلم فبالأولى مماطلة الفقير المحتاج في حقه ظلم اكبر لذلك اختص النبي صلى الله عليه و سلم الغني بالذكر حتى يؤكد على تحريم المماطلة سواء كان صاحب الحق غنياً أو فقيرا حيث حرمت و إن كان صاحب الحق غير محتاج فبالأولى تحريمها إن كان محتاجاً
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار و حرم عليه الجنة"
قيل:"يا رسول الله و إن كان شيئاً يسيراً؟"
قال: و إن كان قضيباً من أراك (متفق عليه)
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)
(الجلحاء): التي لا قرن لها
" أراد بالغني: القادر على الأداء ولو كان فقيرا
عدم إعطاء الأجير أجره
أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: " ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته: رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعط أجره" قوله: ( أعطى بي ثم غدر ): أي عاهد عهدا وحلف عليه بالله ثم نقضه و كذلك إذا ظلم يهودياً او نصرانياً او انقصه او كلفه فوق طاقته او اخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فهو خصم لله تعالى
ظلم المرأة في حقها من صداقها و نفقتها و كسوتها
لأن هذا يدخل في قوله صلى الله عليه و سلم:" لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته" (لي الواجد): بفتح اللام وتشديد التحتية , والواجد بالجيم أي مطل القادر على قضاء دينه والمعنى إذا مطل الغني عن قضاء دينه يحل للدائن أن يغلظ القول عليه ويشدد في هتك عرضه وحرمته
معاونة الظلمة في ظلمهم
قال تعالى: "وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ" و الركون هنا بمعنى السكون إلى الشئ و الميا اليه بالمحبة و قال السدي في هذه الآية الكريمة: لا تداهنوا الظلمة و عن ابن مسعود رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " سيكون أمراء يغشاهم غواش أو حواش من الناس يظلمون ويكذبون فمن أعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم فليس مني ولا أنا منه ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأنا منه وهو مني و قال صلى الله عليه و سلم: "لا يقفن أحدكم موقفاً يضرب فيه رجل ظلماً فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدافعوا عنه"
ومن الاثر قصة رجل من اعوان الظلمة رأى صياداً و قد اصطاد سمكة كبيرة فأخذها منه عنوه فبينما هو عائد الى بيته يحملها عضت على ابهامه فما نام ليلتها من الالم ثم ذهب الى الطبيب فقال له انه اصيب بداء الأكلة و لابد من بتر الإبهام فبتره ثم عاوده الالم و انتشر الى الكف ثم الى الساعد ثم الى المرفق ثم الى العضد فقطع يده من كتفه حتى لا يسري في باقي جسده فنصحه الناس ان يسترضي صاحب السمكة ليرحمه الله مما هو فيه فذهب اليه و اعتذر له و استرضاه ثم سأله: يا سيدي بالله هل كنت قد دعوت علي لما أخذتها؟ قال الصياد: نعم قلت: "اللهم إن هذا تقوى علي بقوته على ضعفي على ما رزقتني ظلماً فأرني قدرتك فيه" فقال الرجل: يا سيدي قد أراك الله قدرته في و أنا تائب إلى الله عز و جل عما كنت عليه من خدمة الظلمة و لا عدت أقف لهم على باب و لا أكون من أعوانهم ما دمت حياً (الكبائر للذهبي)
و عن أبي قلابة قال: كنت في رفقة بالشام و سمعت صوت رجل يقول: ويلاه من النار
قال: فقمت اليه و إذا هو رجل مقطوع اليدين و الرجلين من الحقوين أعمى العينين
فقال:إني كنت ممن دخل على عثمان الدار فلما دنوت منه صرخت زوجته فلطمتها فقال عثمان رضي الله تعالى عنه و ارضاه: مالك قطع الله يديك و رجليك و أعمى عينيك و ادخلك النار فأخذتني رعدة عظيمة و خرجت هارباً فاصابني ما ترى و لم يبق من دعائه إلا النار
قلت له: بعداً لك و سحقاً
منكباً لوجهه فسألته عن حاله
دقة الحساب
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا بهما فيناديهم مناد بصوت يسمعه من بعد كام يسمعه من قرب: أنا الملك الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة ان يدخل الجنة أو أحد من اهل النار ان يدخل النار و عنده مظلمه ان اقصه حتى اللطمه فما فوقها
قلنا: يا رسول الله كيف و إنما نأتي حفاة عراة؟
قال: بالحسنات و السيئات جزاءً و فاقاً (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) - سورة الكهف آية 49
و قد قال تعالى في سورة الكهف: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)
كفانا الله و إياكم شر الظلم و أهله