إن الظواهر التي تظهر على الكثير من قسوة القلب، وقحط العين، وانعدام التدبر، هي بسبب المادية التي طغت على قلوبنا فأصبحت تشاركنا في عبادتنا، ولا يمكن للقلوب أن ترجع لحالتها الصحيحة حتى تتطهر من كل ما علق بها من أدران. فهذا هو أمير المؤمنين عثمان بن عفان يضع يده على الداء لهذه الظاهرة فيقول: (لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله عز وجل). والخشوع الحق يطلق عليه الإمام ابن القيم (خشوع الإيمان) ويعرفه بأنه: (خشوع القلب لله بالتعظيم والإجلال الوقار والمهابة والحياء، فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل والخجل والحب والحياء، وشهود نعم الله، وجناياته هو، فيخشع القلب لا محالة فيتبعه خشوع الجوارح). ومما يدل على أهمية الخشوع كونه السبب الأهم لقبول الصلاة التي هي أعظم أركان الدين بعد الشهادتين، وفي السنن عن النبي أنه قال: { إن العبد لينصرف من صلاته، ولم يكتب له منها إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها، إلا خمسها، إلا سدسها، إلا سبعها، إلا ثمنها، إلا تسعها، إلا عشرها}.
كما أن الخشوع يسهل فعل الصلاة ويحببها إلى النفس، قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ( وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ )[البقرة:45]، أي فإنها سهلة عليهم خفيفة، لأن الخشوع وخشية الله ورجاء ما عنده يوجب له فعلها منشرحاً بها صدره، لترقبه للثواب، وخشيته من العقاب. كما أن الخشوع هو العلم الحقيقي؛ قال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث أبي الدرداء في فضل طلب العلم: روي عن عبادة بن الصامت وعوف بن مالك وحذيفة رضي الله عنهم أنهم قالوا: (أول علم يرفع من الناس الخشوع حتى لا ترى خاشعاً). وساق أحاديث أخر في هذا المعنى، ثم قال: ففي هذه الأحاديث أن ذهاب العلم بذهاب العمل، وأن الصحابة رضي الله عنهم فسروا ذلك بذهاب العلم الباطن من القلوب وهو الخشوع. وقد ساق محقق الكتاب للأثر السابق عدة طرق وقال: إنه يتقوى بها. فالصلاة إذاً صلة بين العبد وربه، ينقطع فيها الإنسان عن شواغل الحياة، ويتجه بكيانه كله إلى ربه، يستمد منه الهداية والعون والتسديد، ويسأله الثبات على الصراط المستقيم، ولكن الناس يختلفون في هذه الصلاة، فمنهم من تزيده صلاته إقبالاً على الله، ومنهم من لا تؤثر فيه صلاته إلى ذلك الحد الملموس، بل هو يؤديها بحركات وقراءة وذكر وتسبيح، ولكن من غير شعور كامل لما يفعل، ولا استحضار لما يقول. والصلاة التي يريدها الإسلام ليست مجرد أقوال يلوكها اللسان، وحركات تؤديها الجوارح، بلا تدبر من عقل ولا خشوع من قلب. ففي سنن الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله :{ إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء، قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة؟ ثم تكون سائر أعماله على هذا }.ولما يعانيه كثير من الناس من قلة الخشوع في الصلاة، فقد رأينا أن نلتمس بعض الأسباب التي تعيدنا إلى الصلاة الحقيقية التي توثق صلتنا بربنا عز وجل وهي صلاة القلب والجوارح وتذللها لله تبارك وتعالى. وقد امتدح الله عز وجل أهل هذه الصفة من المؤمنين حيث قال تعالى:" قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ " [المؤمنون:1-2]. ولعلنا بعد ما نقرأ قوله سبحانه:" إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ " [العنكبوت:45] نسأل أنفسنا ما بال الكثيرين منا يخرجون من صلاتهم، ثم يأتون بأفعال وأمور منكرة، شتان بينها وبين ما تتركه صلاة الخاشعين الأوابين من أثر على أصحابها، الذي يخرج أحدهم من صلاته وهو يحس بأن كل صلاة تغسل ما في قلبه من أدران الدنيا وتقربه إلى الله عز وجل.
_______________
سارة سرسور يعجبه هذا الموضوع
soma برنسيسة فتكات
الأوسمة : 16 تاريخ التسجيل : 12/07/2011 العمر : 26 الموقع : المنصورة شغال
موضوع: رد: الحلقة الأولي من حملة الخشوع في الصلاة ، كل سنة وإنتم طيبين الإثنين أغسطس 01, 2011 10:50 am
شكرااا موضوعك يحنن .. كل سنة وانتى طيبة ورمضان كريم ع الامة الاسلامية
Admin General manager
الأوسمة : 1186 تاريخ التسجيل : 13/02/2011 العمر : 23 الموقع : https://fatakat2.yoo7.com/
موضوع: رد: الحلقة الأولي من حملة الخشوع في الصلاة ، كل سنة وإنتم طيبين الإثنين أغسطس 01, 2011 10:54 am
وانتي طيبة يا قمر اللهم آمين
_______________
سارة سرسور مشرفة
الأوسمة : اللهم اغفر لي وأحسن خاتمتي 2226 تاريخ التسجيل : 09/01/2021 العمر : 35 الموقع : مصر - الغربية الحمد لله
موضوع: رد: الحلقة الأولي من حملة الخشوع في الصلاة ، كل سنة وإنتم طيبين السبت يناير 23, 2021 3:20 am
_______________
جميع موضوعاتي وردودي هنا صدقة جارية لروح والدي أحمد ابن منيرة
سارة سرسور يعجبه هذا الموضوع
الحلقة الأولي من حملة الخشوع في الصلاة ، كل سنة وإنتم طيبين