فى كتابه الله – تعالى – الذي شغل العالم منذ نزوله إلى اليوم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها،
وهو مصباح الظّلام ومنهل البيان الذي وقف فحول العرب وفصحاؤهم أمامه عاجزين مشدوهين،
وهم الذين طالما خاضوا معارك البلاغة والبيان، وتباروا في فنون القول وأسراره حتى أسروا القلوب
والأذهان بسحر بيانهم وتبيينهم، وهاهم أولاء يقفون أمام البيان الأعظم مأسورين مشدوهين عاجزين!!
وقد جاء أسلوب القرآن الكريم في الغاية العظمى من البلاغة والفصاحة، وخرج عن جميع وجوه النظم
المتعارف عليها في كلام العرب فتوافر العلماء على البحث في أسراره واستخراج درره، فصنّف فيه الزملكاني
والفراء وأبو عبيده وابن قتيبة والإمام الرازي وعبد القاهر الجرجاني وغيرهم،
( والواقع أن المصنفات الأولى في الإعجاز على اختلاف مذاهب أصحابها، جاءت أشبه بمباحث بلاغية
مما قدروا أن إعجاز القرآن يُعرف بها، وإن استوعبت أقوال المتكلمين في وجوه الإعجاز،
فرسائل الخطّابي السنى، والرّمّاني المعتزلي، والباقلّاني الأشعري،
تأخذ مكانها في المكتبة البلاغيّة وبعد أن استقلّت البلاغة بالتأليف والتصنيف، وُجّهت إلى خدمة الإعجاز
البلاغي.. الجرجاني يضع كتابه في النظم والبلاغة ويقدّمه باسم ( دلائل الإعجاز )،
وأبو هلال العسكريّ يضع علم الفصاحة والبلاغة تالياً لعلم التّوحيد، والزمخشري وهو من المعتزلة يقرّر أنه
لابدّ من علم البيان والمعاني لإدراك معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وجرى المتأخّرون على أن يجمعوا في الإعجاز كل ما قاله السّلف من وجوه، كصنيع الشيخ محمد عبده
في الفصل الذي كتبه في تفسيره ( تفسير الذكر الحكيم ) عن الإعجاز
وقد تمثل منهج البحث في الخطوات الآتية :
· أولاً : التّقديم لمراعاة السّياق وحسن انتظام الكلام.
· ثانياً : التقديم للاختصاص.
· ثالثاً : التّقديم بين الآية والآية، وهذه الوقفة تشمل ما يأتي :
1. تقديم صيغة على أخرى في بعض آيات السورة الواحدة
2. تقديم آية على آية في النّزول
3. تقديم موضوع على آخر في السورة الواحدة
4. التقديم والتأخير في المتشابه
أوّلاً: التّقديم لمراعاة السّياق وحسن انتظام الكلام:
إنّ الناظر في بستان القرآن الكريم ليجد نفسه في حديقة غنّاء، لا يكاد يخرج من ثمرة إلّا ويجد نفسه
قد تعلّقت بأخرى يستنشق عبيرها ويطعم رحيقها في إذكاء روحي منقطع النّظير..
والناظر في السّياق القرآني يجد هذا الأسلوب هو “مادة الإعجاز في كلام العرب كلّه، ليس من ذلك شيء
إلّا وهو معجز، وليس من هذا شيء يمكن أن يكون معجزاً،
وهو الذي قطع العرب دون المعارضة والسياق القرآني يحمل الكثير من الخصائص التركيبية التي تسمو
على لغة البشر قوة وصفاء ونقاء،
وكان سياق التقديم والتأخير واحداً من فرائد القرآن وخصائصه، سيق لإبراز مقام الموقف بروحه وعمقه،
وسوف نقف بإذن الله وتوفيقه مع بعض هذه السياقات: