معانى بعض الكلمات
يَغْشَى: یعم ظلامه.
تَجَلَّى: أضاء وأنار.
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى أي: أعمالكم مختلفة.
بِالْحُسْنَى: ألجنة.
فَسَنُيَسِّرُهُ أي: سنوفقه ونهيئه.
لِلْيُسْرَى: لعمل الخير.
لِلْعُسْرَى: الطريق الشر المؤدي للنار.
تَرَدَّى: هلك ومات.
تَلَظَّى تنهلب وتتوقد.
يَصْلَاهَا يدخلها ويقاسی حرها.
وَسَيُجَنَّبُهَا يبعد عنها.
تُجْزَى تکافأ.
المعنى العام للسورة
ابتدأت السورة الكريمة بالقسم بالليل إذا غشی الخليقة بظلامه، وبالنهار إذا أنار
الوجود بإشراقه وضيائه، وبالخالق العظيم الذي أوجد النوعين الذكر والأنثى،
أقسم على أن علم الخلائق مختلف وطريقهم متباین والليل:
(وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى . وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى . وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى . إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى).
ثم وضحت سبيل السعادة، وسبيل الشقاء، ورسمت الخط البياني لطالب النجاة، وبينت أوصاف
الأبرار والفجار، وأهل الجنة وأهل النار:
(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى .
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) .
ثم نبهت إلى اغترار بعض الناس بأموالهم التي جمعوها، وثرواتهم التي كدسوها، وهي
لا تنفعهم في القيامة شيئا، وذكرتهم بحكمة الله في توضيحه لعباده طريق الهداية
وطريق الضلالة:
(وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى . إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى . وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى).
ثم حذرت أهل مكة من عذاب الله وانتقامه، ممن كذب بآياته ورسوله، وأنذرهم من
نار حامية تتوهج من شدة حرها، لا يدخلها ولا يذوق سعيرها إلا الكافر الشقي،
المعرض عن هداية الله:
(فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى . لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى . الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى).
وختمت السورة بذكر نموذج للمؤمن الصالح، الذي ينفق ماله في وجوه الخير، لیزکی
نفسه ويصونها من عذاب الله، وضربت المثل بأبی بکر الصديق في حين اشتری بلالا
وأعتقه في سبيل الله:
(وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى . الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى . وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى .
إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى . وَلَسَوْفَ يَرْضَى).
فتعالوا بنا لنتعايش بقلوبنا مع تفسير سورة الليل:
(وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى)
أى: أقسم بالليل إذا غطى الكون كله بظلمته.
(وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى)
أي: وأقسم بالنهار إذا انكشف وتجلى وأضاء العالم والكون كله.
أقسم تعالى بالليل لأنه سكن لكافة الخلق، يأوي فيه الإنسان والحيوان إلى مأواه،
ويسكن عن الاضطراب والحركة، ثم أقسم بالنهار لأن فيه حركة الخلق
وسعيهم إلى اكتساب الرزق.
والحكمة في هذا القسم ما في تعاقب الليل والنهار من مصالح لا تحصى فإنه لو كان
العمر كله ليلا لتعذر المعاش، ولو كان كله نهارا لما سكن الإنسان إلى الراحة،
ولاختلت مصالح البشر.
(وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى)
أي: وأقسم بالخالق العظيم الذي خلق النوعين: الذكر والأنثى..
فهنا يقسم الخالق[b][size=24] جل وعلا بنفسه.[/size][/b]
(إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)
هذا هو جواب القسم.
والمعنى: إن عملكم مختلف.. فمنكم مؤمن ومنكم كافر ومنكم مطيع ومنكم
عاص ومنكم تقی ومنكم شقی.
(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى)
أي: فأما من أعطى من ماله وأنفق ابتغاء مرضاة الله ولم يبخل على الفقراء
واليتامى والمساكين.. وهو في نفس الوقت يتقی ربه فيكف عن محارم
الله التي نهى الله عنها.
(وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى)
أي: وصدق بالجنة التي أعدها الله لعباده الصالحين.
(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)
أي: ستسهل له عمل الخيرات وتعينه على الخصلة المؤدية لليسر وهي فعل
الطاعات وترك المحرمات.
(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى)
أي: وأما من بخل بماله ولم ينفقه في أوجه الخير واستغنى عن ربه جل
وعلا وعن عبادته.
(وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى)
أي: وكذب بالجنة ونعيمها الذي لا يفني أبدا.
(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)
أي: فسنهيئه للخصلة المؤدية للعسر، وهي الحياة السيئة في الدنيا والآخرة
وهي طريق الشر..
قال المفسرون: سمى طريقة الخير يسرى؛ لأن عاقبتها اليسر وهي
دخول الجنة دار النعيم.
وسمی طريقة الشر عسرى؛ لأن عاقبتها العسر وهو دخول الجحيم.
(وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى)
أي: ما يغني عنه ماله إذا سقط وتردى في نار جهنم.. هل ينفعه ماله في ذلك الوقت؟
(إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى)
أي: إن على الله جل وعلا أن يبين لعباده طريق الهدى من طريق الضلالة،
وطريق الرشد من طريق الغي.
(وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى)
أي: إن لنا ما في الدنيا وما في الآخرة فمن طلبهما من غير الله فقد أخطأ الطريق.
(فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى)
أي: فأنذرتكم يا أهل مكة نارا تتوقد وتتوهج من شدة حرارتها ولهيبها.
(لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى)
أي: لا يدخلها ويحترق بلهيبها إلا الأشقياء ثم فسر ذلك بقوله:
(الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى)
أي: الذي كذب بآيات ربه وأعرض عنها ولم يصدق بها بل كذب الرسل
وأعرض عن الإيمان والتوحيد.
(وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى)
أي: وسيبعد عن النار وعذابها التقى النقى الذي يجتنب الشرك والمعاصي..
ثم فسر ذلك بقوله:
(الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى)
أي: الذي ينفق ماله على الفقراء واليتامى والمساکین ابتغاء مرضاة الله
ليطهر قلبه ویزكی نفسه.
(وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى)
أي: وليس لأحد عنده نعمة حتى يكافئه عليها، وإنما ينفق لوجه الله..
قال المفسرون: نزلت الآيات في حق أبي بكر الصديق حين اشتری بلالا وأعتقه
في سبيل الله فقال المشركون: إنما فعل ذلك ليد كانت له عنده فنزلت:
(إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى)
أي: ليس له غاية إلا مرضاة الله.
(وَلَسَوْفَ يَرْضَى)
أي: ولسوف يعطيه الله في الآخرة ما يرضيه وهو وعد کریم من رب رحيم.